الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

فيتنام جمال الشواطئ وبساطة ساحرة Vietnam

تمتلك أجمل الشواطئ في العالم

فيتنام.. بسيطة ومميزة تترك فيك أثراً

إعداد د. نزيلة يوسف
فيتنام صورة الفلاحة الفيتنامية تعلو رأسها قبعة قش هرمية وسط حقل الأرز بالنسبة لي كانت تجسيدا للمعاناة الإنسانية في هذا البلد، ففيتنام ترتبط في ذهني بالحرب والفقر. ولكني اكتشفت انني لا اعرف عن هذا البلد إلا القليل بعدما قرأت تقرير البنك الدولي لسنة 2007 يصف فيه فيتنام بأنها إحدى ابرز قصص النجاح في مجال التنمية فبعد أن أنهكت الحروب المستمرة فيتنام غدت أفقر دول العالم بعد استقلالها سنة 1975، ذلك ما استدعى تدخل البنك الدولي لمساعدة البلاد، وعلى مدار 15 عاما استطاعت فيتنام أن تحقق نجاحا باهرا في تخفيض أعداد الفقراء فهبطت مستويات الفقر من %60 إلى اقل من %20 وفي 10 سنوات زاد الدخل بنسب %7.3 سنويا كما تحولت فيتنام من بلد مستورد للأرز لإطعام شعبها إلى ثاني اكبر بلد مصدر للأرز في العالم، فصدق رئيسها الراحل هوشي منه بقوله: عندما تفتح أبواب السجن سينطلق التنين الحقيقي، مشيرا لإرادة وقوة شعبه لبناء بلاده بعد رحيل المحتلين، هذا ما شجعني على البحث وترتيب رحلة سياحية إلى فيتنام، فلاشك أن هناك الكثير الذي يستحق المشاهدة.
إن لفيتنام امتدادا جغرافيا طوليا وهبها مختلف التضاريس الطبيعية، فشمالا توجد سلاسل جبلية تنتمي للطرف الجنوبي من سلاسل هملايا، وفي الجنوب تجري مياه نهر الميكونغ بفروعه التسعة لتصبح الاراضي المحيطة به من أخصب الاراضي الزراعية في البلاد. كما تمتلك فيتنام أجمل الشواطئ بطول 3000 كلم ويصاحب الامتداد الطولي تنوع مناخي بين مداري ومعتدل تتساقط الأمطار في فصل الصيف من شهر مايو إلى سبتمبر، وأفضل الأوقات لزيارة فيتنام ما بين شهري نوفمبر وابريل. يمكن السفر من الكويت إلى هانوي أو هوشي منه (سيغوون) عبر الخطوط الإماراتية أو القطرية أو التايلندية.

العاصمة

وصلنا العاصمة هانوي التي تقع في شمال فيتنام على النهر الأحمر بعد الظهر.. إجراءات الخروج من المطار كانت سريعة لنتوجه بعدها إلى الفندق وسط المدينة ولم نشعر بخصوصية فيتنام إلا عند تجولنا في اليوم التالي في الجزء القديم من المدينة، حيث الأزقة الضيقة تلون أرصفتها بضائع الباعة المتجولين من فاكهة وخضار وأحيانا زهور، أما مشهد التميز فكان مرور سيدة فيتنامية بزيها التقليدي السروال الواسع مع القميص القطني، تغطي رأسها قبعة القش الهرمية تمشي بأكتاف مستقيمة لتحافظ على ثبات العصا الخشبية التي يتدلى منها سلال الفاكهة والخضار لتعبر الشارع بخطوات ثابتة وسلال متوازنة أنها طابع الهوية الفيتنامية تزين شوارع في طريقها للتغير والتحديث تماشيا مع سياسة الانفتاح للبلاد. إن معظم مباني هانوي لها طراز روسيا الاشتراكية السابق كما ترك الفرنسيون بصماتهم (1883ــــ 1954) بمبان لها تصميم فرنسي لا تزال شاهدا على تلك الفترة كمبنى البنك الفيتنامي ودار الأوبرا والقصر الرئاسي. تنتشر في هانوي عدة بحيرات أجملها بحيرة هان كيم بمعبدها الاسطوري الذي شيد على جزيرة صغيرة ليخلد ذكرى السلحفاة الذهبية التي خطفت سيف الملك في القرن الــ15 الذي مكنه من طرد الصينيين لتعيده للإله في أعماق البحيرة فسميت بحيرة السيف العائد وما زالت الروايات تنقل رؤية السلحفاة الذهبية تخرج من البحيرة. أجواء البحيرة في حركة دائمة تبدأ قبل شروق الشمس مع وصول أفواج كبار السن لممارسة رياضة تاي شي للاسترخاء واللياقة وبعدها يتواصل قدوم الفيتناميين من جميع الأعمار لممارسة رياضتهم قبل الانصراف لأعمالهم وعند منتصف النهار يكثر المتنزهون والباعة المتجولون.
توقفنا سريعا عند ضريح هوشي منه مؤسس الدولة الفيتنامية الذي شيد سنة 1973 في الساحة التي أعلن فيها استقلال فيتنام في 1945، إلا أن زيارة مسكنه قربتنا من شخصية الزعيم الفيتنامي فلمسنا روح البساطة والتواضع عند هوشي منه، فقد فضل رئيس فيتنام الإقامة في بيته المتواضع على القصر الرئاسي الفخم المجاور لبيته.
تنتشر في هانوي الكثير من المعابد اشهرها معبد العمود الواحد (1049) ومعبد الأدب الذي شيد على شرف الفيلسوف الصيني كونفوشيوس وأصبح لاحقا أول جامعة في فيتنام لتدريس الأدب والفلسفة والعلوم.

مسرح العرائس المائية

حضرنا عرضا متميزا وحصريا لفيتنام في مسرح العرائس المائية، حيث ساحة العرض سطح مياه حوض مساحته 4 أمتار مربعة، افتتح العرض تن الصغير بشكله الهزلي تميزه كرشه المنتفخة بعدها قدمت العرائس الخشبية بأزيائها الملونة التي تتناسب مع اللوحات الفنية التي تحكي عن مظاهر الحياة اليومية من زراعة وحصاد وصراع مع قوى الطبيعة بمصاحبة اوركسترا الآلات الفيتنامية القديمة، وعند نهاية العرض ارتفعت ستارة المسرح ليخرج أبطال العرض 8 من الشباب والشابات وسط الحوض تصل المياه إلى مستوى الوسط يمسك كل منهم عصا خشبية طويلة تتصل بالعرائس الخشبية لتحريكها على سطح الماء من دون أن تتعرض للبلل، العرائس المائية كانت تسلية الفلاحون في قرى النهر الأحمر عندما تفيض الحقول منذ القرن 11 لذا يطلق عليها روح حقول الأرز.

سابا

فيتنام اتجهنا من هانوي بقطار فيكتوريا إلى مدينة سابا القريبة من حدود فيتنام مع الصين شمالا، بعد 10 ساعات وصلنا مدينة لاوكاي عاصمة محافظة الشمال فجرا قبل الخامسة بجو بارد فدرجة الحرارة تقارب 4 درجات سيليزية، انطلقنا بسيارة جيب عسكرية قديمة عرفنا من مرشدنا السياحي لاحقا أنها من مخلفات الجيش الفرنسي. المسافة من لاوكاي إلى سابا تبلغ 35 كلم انشغلنا في بداية الطريق بتدفئة أجسامنا فأخرجنا الشالات من الحقائب وبعد فترة بدأت استوعب الأجواء المحيطة، فكان بداية شروق شمس يوم جديد ومع اقترابنا من سابا بدأت حقول الأرز تظهر في المشهد، وكانت الساعة تشير إلى الخامسة والثلث عندما بدا الفلاحون يتجهون إلى حقولهم تبدو عليهم علامات الجد والنشاط. وصلنا سابا قبل السادسة صباحا، تركنا حقائبنا في الفندق وذهبنا للتجول في المدينة واخترنا مطعما واجهته على الشارع الرئيسي لتناول الإفطار ولنراقب المدينة وهي تستفيق. ولم تكن الساعة تجاوزت السابعة حين بدأت أفواج أهل القرى بالوصول إلى المدينة، وقد سررنا بمشاهدة نساء سابا أول مرة بأزيائهن الجميلة وكل سيدة تعلق سلة قش على ظهرها بداخلها مشغولاتها اليدوية لتبيعها وبعضهن حملن أطفالهن على ظهورهن مثبتين بأقمشة ملونة وقد قدمن من قراهن سيرا، واقرب قرية تبعد 3 كلم، وهناك قرى على بعد 10 كلم من المدينة، وعند الثامنة صباحا تلونت سابا بألوان ملابس نسائها الزاهية وتزينت بابتسامتهن الساحرة فامتلأ المكان بالبائعات والسياح فكان جوا فيه بهجة وسرور.

الحضور النسائي

إن مدينة سابا وما حولها من قرى موطن الأقليات العرقية في فيتنام منذ القدم، ولكن لم تبرز على الخريطة إلا في 1880م عندما استوطنها الفرنسيون. سابا تقع على ارتفاع 1600م من ضمن سلسلة جبال هونغ لبنسون في أقصى الطرف الشرقي لجبال الهمالايا. قضينا يومين في سابا وزرنا قرى الأقليات العرقية الذين سماهم الفرنسيون سكان الجبال او قبائل التلال ويعتقد انهم هاجروا من الصين منذ 5000 سنة واستوطنوا الجبال. معظم القرى تقع على أراضي جبلية منحدرة إلا إن الاهالي استطاعوا ترويض الطبيعة الجبلية عبر الزمان ليستمروا فيها لعقود طويلة، كثيرا ما وقفت أتأمل المصاطب الزراعية بإعجاب كبير فإعدادها تم بجهد شاق بذل عبر مئات السنين لتهذيب الاراضي وإزالة الصخور فتشكلت مناظر طبيعية ساحرة تعكس علاقة الأقليات ببيئتهم وجهودهم التي أوجدت مدينتهم سابا. البيوت من القش والطين وزراعة الأرز الحرفة الأساسية وهو عنصر غذائهم الرئيسي وزراعته تتطلب جهدا كبيرا، لذا يشارك جميع أفراد الأسرة في الزراعة كما إن للثور أهمية في حراثة الحقول ويخزن المحصول ليكفي حاجة العائلة، إلى حين موسم الحصاد الجديد. للنساء تواجد وحضور كبير في سابا فهن ابرز ما يميز المدينة فينجذب السائح لألوان أزيائهن ويبتهج لرؤية ابتسامتهن المحببة فتكون أجمل دعوة لزيارة قراهن واكتشاف جبالها. أهم ما يميز هذه الأقليات أزيائها المطرزة بتصاميم من وحي البيئة والمعتقدات الروحية التي تدور حول البقاء والاستمرارية لذا تحمل هذه المطرزات الموروث البيئي والقبلي لينقل عبر الأجيال فالأمهات يحرصن على تعليم بناتهن فنون الخياطة. تصنع الملابس من القطن وخيوط الخيش والحرير والصباغة بمواد طبيعية مستخرجة من الأشجار مثل شجرة النيلة وتتقن النساء فنون الخياطة كالتطريز والطباعة الباتيكية، وهي تغطية الجزء غير المرغوب بتلوينه بالشمع لصباغة بقية القماش وتمويج وتكسير الأقمشة. وكل قبيلة لها ما يميزها من أزياء، فقبيلة المونك الأسود أكثر القبائل تواجدا في سابا تتميز نسائهم بغطاء الرأس الأسود وملابس داكنة يزينها تطريز متقن تتداخل فيه ألوان زاهية، أما قبيلة الزاو يمكن ان تميز نساءها بسهولة لبروز الجباه لان النساء يحلقن الشعر عدة انشات، وقد تحلق الحواجب لجلب الحظ، بالإضافة إلى غطاء الرأس الأحمر. تزوج القبائل البنات عند سن 14و15 سنة وتنجب 5 إلى 8 أطفال فالكثرة مطلوبة لتلبية حاجة الحقل.

الأقليات

تمثل الأقليات %13 من اجمالي عدد السكان إلا إنها تمثل %39 من الفقراء، لذا وجهت مساعدات البنك الدولي لمساعدة الفقراء مباشرة إلى السلطات المحلية في القرى تحقيقا للامركزية ولتشغيل ابناء القرى ونتيجة لمشاريع الري توفرت المياه لتحرث 3 بدل محصول واحد بالسنة، كما إن هذه المشاريع تشمل بناء مدارس في كل القرى، وقد زرنا مدرسة إحدى القرى وشعرنا بحماس و نشاط المدرسات في أداء وظيفتهن، ومعظمهن يأتين من المدن المجاورة على بعد عشرات الكيلومترات على دراجات بخارية، لقد نجحت هذه المشاريع بتخفيض أعداد الفقراء وتحسين المعيشة فتناقصت نسبة الفقر بمعدل 4 % الى %5 كل عام.
خليج هالونغ
من ميناء هالونغ على بعد 170 كلم شرق هانوي أبحرنا على متن سفينة سياحية ذات طراز قديم وهيكل خشبي يعلوها شراع بصحبة 10 سياح من مختلف الجنسيات لقضاء يوم في خليج هالونغ أجمل خلجان العالم، كما انه من ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو، عند ابتعاد السفينة عن اليابسة بدأت اشعر بمتعة الإبحار مع هبوب نسيم البحر العليل برائحة اليود المنعشة، إلا إن خصوصية وجمال الخليج برزت مع ظهور جزره الصخرية فعلى مساحة 1500كلم مربع تنتشر 2000 جزيرة صخرية بإشكال مختلفة ناتجة من عوامل جيولوجية شكلت الحجر الجيري على مدار 500 مليون سنة، وفي وسط الخليج يزداد الضباب فبدت الجزر الجبلية معتمة وغامضة ذكرتني بمشاهد أفلام قراصنة الكاريبي، خصوصا مع انتشار سفن شراعية تبحر حول الجبال. وقبل مغيب الشمس تجولنا في قارب صغير عبر الممرات الضيقة فكانت لحظات رائعة بين الجزر وجبال عالية تحيط بنا نبتت على بعضها الأشجار والنباتات وأحيانا زهور لتزين الصخور القاسية وتكسبها رونقا يتناغم مع أصوات العصافير وهي تعود لأعشاشها ليكتمل مشهد الطبيعة، بعض الجزر تحتوي على كهوف تجولنا في بعضها وشاهدنا تشكيلات كلسية تتدلى من السقف بأشكال مختلفة وفي هذه الأجواء ومع رائحة اليود ازدادت شهيتنا فتمتعنا بأطباق الأسماك والربيان مع الأرز الأبيض التي كانت تقدم في السفينة.
عزيزي القارئ إذا فكرت ان تزور بلدا متميزا ومثيرا فلتكن وجهتك فيتنام، فالزائر لهذا البلد يشعر انه في عالم خاص لشعب متعدد الأعراق والثقافات وصاحب إرادة صلبة يستقبلك بابتسامة عذبة ويشملك بكرم ضيافته لتتمتع بجمال وسحر طبيعة بلاده.
فانفوك قرية الحرير
ما زالت قرية فانفوك في هانوي تمثل مهد صناعة الحرير الفيتنامي منذ 2000 سنة حيث تستخدم الطرق التقليدية في صناعة الحرير والتي يمكن الإطلاع عليها، كما تتوافر محلات لبيع الحرير بمختلف أنواعه ومنتجاته كالأقمشة والشنط والملابس بروح وذوق فيتنامي رفيع.

0 التعليقات:

إرسال تعليق