الجمعة، 15 أكتوبر 2010

بودابست عاصمة المجر رحلة للجمال المجري | Budapest, Hungary

image 

بودابست: مدينة معمرة جمالها وسحرها رسخهما الزمن
سياحة كثير من مطاعمها تقدم الوجبات الشرقية المعروفة في عالمنا العربي

إعداد د. مهدي السعيد
بودابست عندما تقف على اطلال المرتفع الذي تقع عليه قلعة بودين، تشاهد نهر الروناي، وهو يتسلل عبر أراضي ومزارع بودابست، المنبطحة تحت قدميك - تلك المدينة التي تطفح بالرومانسية والجمال الساحر.
فلمعان مياه النهر والبيوت القرمدية والأبنية القديمة المتناثرة هنا وهناك، والمبنية منذ عهد الامبراطورية النمساوية - المجرية، والمساحات الخضراء الواسعة التي تنتشر في أجزاء المدينة المختلفة، والمنتزهات التي يزاحم بعضها بعضاً، كل تلك المشاهد تتمازج فيما بينها لتشكل صورة جمالية، كأنها لوحة بانورامية ساحرة للغاية.
بناية البرلمان الهنغاري، تكاد تكون نسخة طبق الأصل من بناية برلمان westminster في لندن، فهي تستحق التأمل والتمتع بمشاهدة طرازها المعماري الجذاب، فالمجريون ربما ارادوا بذلك أن يقولوا، إن هنغاريا القديمة، كانت دولة كبيرة، تشكل الجناح الأيمن للامبراطورية النمساوية - المجرية.
البناية تحتوي على 700 مرفق داخلي، ويبلغ طولها نحو 268 متراً وارتفاعها 96 متراً. في داخلها يوجد «التاج الامبراطوري» الذي وضع على رأس القيصر «فراتيشك يوسف الاول» كتعبير عن المناصفة في حكم الامبراطورية.
اما المعلم الحضاري الآخر، الذي جعل بودابست واحدة من مراكز الابداع الفني المتميز في وسط اوروبا، فهو دار الاوبرا التي تم افتتاحها عام 1884، والتي تبدو قطعة اثرية رائعة الجمال تضم اقدم المقتنيات من تجهيزات واثاث وثريات عملاقة.
والبناية مكونة من ثلاثة طوابق، تزخر بالنقوش الفنية والتماثيل الرائعة والابواب المنحوتة من المرمر.
وفي دار الاوبرا، ربما تتكامل صورة الحياة المرفهة، وخاصة «لونج» الامبراطورة المصمم على الطراز الاسباني، والذي يعبر عن اتيكيت عائلة هابسبورغ الحاكمة.
فقد كانت الامبراطورة «سيسي» مولعة بزيارة الاوبرا، على عكس زوجها الامبراطور، وكانت تعتبر واحدة من اجمل نساء عصرها.
وقد اختارت «اللونج» الخاص بها في ابرز موقع يطل على خشبة المسرح، قبالة الجمهور، وعلى احدى جانبي «اللونج» توجد غرفة «التواليت» الخاصة بالامبراطورة، وهي الاولى من نوعها في عموم الامبراطورية آنذاك التي تحتوي على «سيفون» مائي آلي.
وفي اللونج الخاص بها توجد مرآة، وضعت في مكان مناسب للكشف عن المتطفلين قبل وصولهم الى «لونج الامبراطورة».
لقد عقدت الامبراطورة «سيسي» علاقة ودية مع المجرمين الذين احبوها كثيرا والدليل على ذلك حزمة من الرسائل والذكريات التي عاشتها الامبراطورة في قصرها الريفي «كودولو» الذي انتقلت اليه في الثلث الاخير من القرن التاسع عشر، واتخذته مقرا سياحيا لها ولعائلة الامبراطور فرانتيشك يوسف الاول زوجها.

القصر الباروكي

وكانت الامبراطورة تقضي في هذا القصر معظم اوقاتها مع بنتيها الاثنتين وولدها الامير رودولف ولي العهد.
القصر الباروكي في كودولو محاط بمنتزه واسع مصمم على الطريقة الانكليزية من قبل الدوق انتال كراسالكوفي الاول، وبعد عدة ترميمات اجريت في فترات مختلفة تحول القصر في القرن الماضي الى متحف يجمع آثار العائلة المالكة.
في هذا القصر توجد تسع صالات اضافة الى الجزء المخصص لاقامة الامبراطور وعائلته، ويحتوي هذا الجزء على كل مقتنيات الامبراطورية وايضا على رسائل شخصية بين الامبراطور وحبيبته اليزابيث ورسائل بيت الامبراطورة سيسي وحبيبها رئيس الوزراء آنذاك.
ولكن القصر يعكس ايضا جانبا من آثار الحدث المفجع الذي تعرض له ولي العهد رودولف والذي ادى الى موته، مما جعل الامبراطورة تلبس السواد طوال سنوات حياتها اللاحقة، وايضا أقدمت على توزيع حليها المصنوعة من الاحجار النفيسة على معارفها، وفي سنوات حياتها الاخيرة كانت تعاني بسبب هذه الحادثة من متاعب نفسية كبيرة جعلتها تطوف بين الدول الأوروبية حاملة معها همومها، حتى تعرضت إلى محاولة اغتيال قام بها «الويكي لوخيني» الذي أرداها قتيلة في الحال. وكان «الويكي لوخيني» فوضويا ايطاليا ترصد احد الأمراء، لكنه حين نصب له كمينا، لم يصل هذا الأمير، وانما وصلت الى الموقع ذاته الامبراطورة، فأراد بعمله هذا تعويض شخص بشخص آخر.

الليل في بودابست

ليل «بودابست» اكثر سحرا من نهارها، فالأضواء التي تمتد متعرجة مع امتدادات نهر «الدانوب»، وتلك البنايات الملونة التي تشكل اشرطة وقلائد، تلف رقبة المدينة وجسدها، تثير مشاعر المتعة بين العشاق الذين يلوذون بين أطرافها، ويجلسون على عتبات منازلها، مسترسلين في جلسات الخلوة الهادئة، يهمسون ويتمتمون فيما بينهم، ويراقبون من بعيد او قريب خرير مياه النهر العتيقة، واصوات قفزات الأسماك التي تحتفي هي الأخرى، بهدوء الليل وصمت المدينة وأعمدة الأضواء الملونة المنكسرة على أمواج النهر.
«بودابست»، المدينة التي لا يشعر زوارها بالغربة ابدا، فهي اضافة الى هيبتها وجمالها كواحدة من اعرق المدن الأوروبية، فإن أهلها يتميزون ببساطتهم الدارجة التي تعودوا عليها منذ أقدم الأزمان، فهم ربما يكونون أقرب إلى الشرقيين من الأوربيين، فبحكم التاريخ الطويل الذي ربطهم بالشرق، وخاصة إبان الإمبراطورية العثمانية، فقد اصبحت ثقافتهم العامة ذات طابع شرقي، فمعظم مطاعمهم تقدم الوجبات الشرقية المعروفة في عالمنا العربي. أما تقاليدهم العادية، فهي لا تختلف كثيرا عن تقاليدنا الشرقية، وخاصة العربية منها.

هنا بودابست

ألوان العلم الهنغاري منعكسة على مبنى البرلمان (أ.ف.ب)«بودابست» قطعت شوطا بعيدا في ميدان السياحة، فآلاف السياح، يفدون إليها سنويا من كل أنحاء العالم، بحيث لا ينقطع شريان تدفق السياح في جميع المواسم من دون استثناء، بما في ذلك موسم الشتاء.
والسياحة هنا، غير مكلفة، قياسا إلى السياحة في مناطق أخرى من العالم، فكل شيء متوافر تقريبا، فالمطاعم منتشرة في كل مكان، وهي على أنواع مختلفة، حتى المطاعم الآسيوية، رحلت إلى هنا، وأصبحت جزءا من المشهد الثقافي في المجر.
أما الفنادق، فهي كما في كل مكان، تختلف حسب درجاتها ومستوياتها، لكن المجريين، قد تعودوا ايضا على تأجير واستضافة السياح في بيوتهم أو في شققهم، وتقديم مختلف أنواع الخدمات السياحية لهم، والتي تكون في العادة أقل تكلفة من الفنادق العامة.
وبالنسبة إلى وسائل اللهو والمتعة والرياضة، فهي متوافرة بصورة كبيرة، وكذلك المرافق الثقافية والحضارية المختلفة، لكن «بودابست» أو المجر عموما، معروفة بحماماتها الشرقية، ومصحاتها المعدنية، التي يزورها الكثيرون من السياح سنويا.
«هنا بودابست» المدينة القديمة التي تتباهى بأنوثتها الساحرة، وقامتها الفارهة، لا تلبث أن تؤكد على مسامع الجميع، إن المدن المعمرة هي المدن الأكثر جمالا وسحرا من المدن الحديثة التي لم ينحت الزمن بعد تجاعيده على وجنتيها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق