السبت، 16 أكتوبر 2010

السياحة في العاصمة الروسية موسكو | Moscow, Russia

موسكو

رحلة البساط الأبيض إلى ربوع سيبيريا
24 ساعة في موسكو المتالقة

موسكو - أحمد ناصر
كنت متأكدا وأنا جالس على مقعد الطائرة الروسية المتجهة الى سيبيريا عن طريق موسكو أنني سأعيش في لوحة بيضاء من الثلوج، ولكنني لم أكن أعلم أن هذه اللوحة ستكون رائعة الجمال وسياحة تفوق الخيال، ومتعة يجهلها الكثير من عشاق الرحلات والسفر. بدأت رحلتي بقضاء 24 ساعة في موسكو، ثم توجهت منها الى ايروكتسك قلب سيبيريا كما وصفوها لي، انها رحلة في الطائر الأبيض عبر البساط الأبيض.

الساموفار

يختلف الاستيقاظ صباحا في موسكو عن بقية المدن التي زرتها، ففي الساعة الـ 8:30 خرجت من الفندق لأتناول طعام الافطار في الساحة الحمراء التي سمعت عنها كثيرا، ولكن زحمة الناس منعتني من ذلك، فقررت أن أتناوله في الساحة المجاورة للفندق، كان الناس يسيرون في الطريق مثل عقارب الساعة بصمت وهدوء ونظام، لا يزال جو الحياة الشيوعية يهيمن على الكثير منهم، كان فندقنا يطل على ساحة كيستوبرودني chistoprudniy مباشرة التي تطل على بحيرة صغيرة، بحثت عن مطعم يقدم الافطار الروسي فدلني بعض المارة على مطعم ياسبي المطل على البحيرة، أول ما لفت نظري في المطعم أنغام صفير الساموفار وهو السماور (جهاز لتسخين الماء) وانتهزت الفرصة لأسأل الجرسونة الرشيقة عن هذه الأنغام فقالت انها عادة روسية قديمة جدا، ثم أطلقت صفيرا ناعما من شفتيها تقلده.. لذلك لا يزال صفيره يرن في أذني، يتكون الافطار من الشاي الساخن جدا وقطعة صغيرة من الجبنة البيضاء وأخرى صفراء وبيضة مسلوقة واحدة وقطعة صغيرة من الخبز الحار، كان الطعام كافيا ليعطيني افتتاحية روسية رائعة لبداية يومي في هذه العاصمة التي أزورها للمرة الأولى، كنت أعتقد أن الناس في موسكو لا يتحدثون مع الغرباء أمثالي.. ولكن ابتسامة الجرسونة وازعاج المتواجدين في المقهى الصغير الجميل كان كافيا ليقدم لي صورة مختلفة عن التي أعرفها عن الروس، ولم تتجاوز فاتورة الافطار 10 دولارات.

الساحة الحمراء

خرجت من مقهى ياسبي الى محطة chistye prudy للمترو (يمكن أن تحجز تذكرتك بالموبايل mosmetro.ru) وخلال دقائق معدودة كنت وسط الساحة الحمراء. كان ركوب المترو في حد ذاته متعة سياحية، لا سيما مع بداية اليوم وخروج الموظفين الى الدوام، لم أكن أعلم أن الشعب الروسي يحب القراءة كثيرا فكل من في القطار كان يمسك كتيبا صغيرا يقرأه ما عداي أنا، دخول الساحة الحمراء لم يكن سهلا كما كنت أعتقد، فهي رهيبة ولها هيبة، تجمع بين حناياها تاريخا عريقا يتجاوز عمره مئات السنين، احترت في البداية من أين أبدأ، ولكنني في النهاية قررت أن أسير مع السياح الذين كانوا يملأون الساحة من كل مكان في العالم ما عدا العالم العربي.
تبدأ رحلة السير في الساحة الحمراء من وسطها، حيث يقف السياح أمام متحف التاريخ وفي الجهة اليسرى توجد كنيسة باسل، وما بينهما كان ساحة لأقوى جيوش العالم، هنا كانت تصطف الآليات والجنود وترفرف الرايات الحمراء.. هنا كانت هزيمة هتلر، أما على اليمين فكان ضريح لينين بعد أن رمم بالكامل وأعيد تحنيط جثته من جديد على ذمة رجل كبير في السن كان يقف أمام المبنى، ولكن لن تشاهد أي شيء وكنيسة باسل تقف أمامك، لانها روعة البناء والزخرفة والتراث، أما على يسار الساحة فيوجد أكبر مجمع تجاري في موسكو كأنه لافتة كبيرة تخبرنا بانتهاء عهد الشيوعية في روسيا وابتداء عهد السوق والتجارة، كل الماركات العالمية تجدها هنا، بالإضافة إلى المقاهي والكافيهات التي تقدم القهوة الأوروبية والروسية والتركية والأميركية، وختمت جولتي في الساحة الحمراء بزيارة مبنى الكرملين الذي أصبح اليوم مفتوحا أمام السياح للدخول إليه.

المطعم التراثي

خروجي مبكرا من الفندق بكّر في وقت الغداء، فما إن دقت الساعة الحادية والنصف حتى بدأت رحلة البحث عن مكان مناسب للغداء، إنها فرصة جميلة أن أتناول غداء روسيا أصليا تراثيا، فسألت أحد الباعة المتجولين عن مطعم تراثي قريب فأشار إلى خلف الساحة الحمراء وقال بلغة إنكليزية متوسطة «هناك أقدم مطعم تراثي في موسكو». كان مبنى قديما جميلا يوحي بأن الطعام فيه يعود إلى ما قبل القرون الوسطى، يتكون من أربعة طوابق يعبر كل منها عن حقبة من حقب تاريخ موسكو. جلست في طرف إحدى القاعات الجميلة الملونة التي يتميز بها، وكان المنظر المطل على الساحة الخلفية للساحة الحمراء يعطي إيحاء رائعا بعظمة هذا المبنى. طلبت وجبة روسية أصلية فقدم لي شوربة «بورش»، وهي عبارة عن حساء الطماطم مع بعض البهارات الخاصة، ثم قدم لي وجبة «أوخا»، وهي عبارة عن لحم مملح مشوي بطريقة غريبة لم أستطع أن أعرفها، ولكنها كانت لذيذة جدا مع الشاي الروسي ــ بلغت الفاتورة 300 روبل (3 دنانير) ــ كنت أتمنى أن أطلب الكافيار ولكن الغارسون أسرّ في أذني بأنه وجبة خاصة للعشاء.

كافيار بوشكين

كان العرض فرصة للتعرف على أهالي موسكو. إنهم مرحون ويحبون الغرباء. سألت أحدهم عن أفضل مكان لتناول الكافيار، فقال لي «عليك بمطعم بوشكين، ربما ترى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون هناك، إنه يحب هذا المكان». يقع PUSHKIN CAFE في جادة تسفيتنوي. أقيم المطعم في قاعة كان يعيش فيها الأديب الروسي الشهير بوشكين قبل شهرته، وهي جزء من أول مبنى للسيرك الروسي 1880. يعتبر هذا المطعم من أشهر المطاعم التي تقدم الكافيار، ولا ينافسه سوى مطعم نوبي يملكه النجم الأميركي روبرت دنيرو عند الساحة الحمراء. أول ما لفت نظري في المطعم الفخامة العالية في الديكور والأناقة في ثياب الجالسين فيه. كانت طاولاته صغيرة لا يجلس عليها أكثر من ثلاثة أشخاص. يتحرك العاملون فيه بسرعة فائقة وبصمت تزينه ابتسامة رقيقة على شفاه الفتيات ونظرة حادة من الشباب. عندما تطلب الكافيار تبتسم لك الغارسونة وتقول لك بلغة إنكليزية جيدة «نحن لا نخرج من هنا إلا في الصباح»، وتعني أن علي عدم التحرش بها بعد وجبة الكافيار الدافئة في هذا الجو البارد.

 

روسيا موسكو
ليل العشاق

الليل في موسكو رائع الجمال. خرجت من مطعم بوشكين وتوجهت إلى الساحة الحمراء. بهرني المنظر الرائع للساحة، إنها تختلف عن النهار.. ألوانها زاهية وتنتشر فيها الإضاءات الملونة التي تضيء المباني التاريخية العريقة وكأنها في ليلة عرس. يملأ العشاق كل جوانب الساحة حتى يصعب أن تجد مكانا خاليا فيها وكأنهم على موعد واحد هنا. انتظرت فيها إلى أن انتصف الليل فذهبت إلى الفندق استعدادا لرحلة الغد إلى إيروكتسك قلب سيبيريا النابض.
مسرح الأراجوزات
حل الظلام سريعا جدا في موسكو، لست معتادا على مثل هذا الجو المظلم الذي زادته الغيوم ظلمة وبردا. كانت وجهتي القادمة المسرح الروسي أو كما يسمونه «مسرح الأراجوزات» لأنه متخصص في عرض الأعمال والمسرحيات الريفية والمهرجين. يقع المسرح في ساحة بافلوفسكايا. كان العرض تراثيا راقصا من التراث الروسي الأصيل، كما كان المسرح ممتلئا بالرغم من برودة الجو، ولا ريب في ذلك، فالفرقة أدهشت الحضور بأدائها العالي المتقن، ويبدو أنهم يعرفونها جيدا، ولذلك حرصوا على الحضور. كان الهدوء يسود القاعة فاستطعت أن أشاهد الفن الجميل الذي قدموه من دون إزعاج الموبايلات التي اعتدناها في الكويت.

حديقة بارك كولتوري

تعتبر حديقة غوركي العامة للتنزه والثقافة (بارك كولتوري) اكبر حديقة عامة في موسكو، تقع وسط العاصمة الروسية، انشئت منذ حوالي 80 عاماً لتكون تجسيداً لفكرة العمل الجماعي والاستراحة الصحية ونشر الثقافة والتنوير بين المواطنين، ومن أهم معالم العاصمة الروسية نهر موسكو، حيث تمتد على ضفتيه أروع مباني المدينة المعمارية الجميلة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق