الجمعة، 8 أكتوبر 2010

السياحة في فيتنام Tourism in Vietnam

سايغون.. أول مدينة تروج للسياحة الحربية

إعداد د. نزيلة يوسف
فضلت الإمبراطوريات الفيتنامية القديمة أن تتمركز وسط البلاد بين سهول نهر الميكونغ جنوبا والنهر الأحمر شمالا، وخلال جولتنا هنا تمكنا من رؤية بعض ملامح تاريخ فيتنام القديم.
العاصمة القديمة تطل على نهر العطور الهادئ لذا هي رمز الرومانسية عند الفيتناميين، وقد تكون ارث الشعب من ملوكه فهنا سوق شعبي وسط العاصمة سايغونتوجد الكثير من آثار الإمبراطوريات القديمة لذا أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو، و«هو» المدينة الوحيدة التي فيها قلعة الملك وتضم معابد والمدينة المحرمة لإمبراطورية نغوين 1802م – 1945م كما تشتهر بمقابر الملوك التي تضم 6 أضرحة شيدت بفترات زمنية مختلفة، ينعكس فيها تأثر الفيتناميين بفنون الغزاة فيمكن رؤية ملامح من الطراز الصيني في البوابات، كما زين احد القبور بسيراميك له زخارف ورسوم تبدو كالتي توجد في الكنائس الأوروبية ولكنها رسوم لتنين، وفي المتحف الملكي شاهدنا القطع الأثرية وبقايا أوانٍ جمعت من المدينة.
مدينة هويان
كانت أهم محطة تجارية آسيوية في القرنين 17و18 م ولم تتغير كثيرا فمازال جسرها بطرازه الياباني منحنيا فوق مياه النهر منذ 400 سنة، كما تضم بيوت التجار الملحقة بمتاجرهم، وكان التجول في شوارع المدينة الضيقة بالريكشا (عربة بعجلتين يجرها رجل ) تجربة متميزة، معظم محلات المدينة لبيع أقمشة الحرير الفيتنامي ومشاغل الخياطة.
الجنوب
تعتبر سهول الإقليم الجنوبي اكبر مزرعة أرز في العالم فهنا يجري نهر الميكونغ بفروعه، ولخصوبة هذا الإقليم جذب إليه الأمم المجاورة وكان موطن صراع صيني- هندي، وعندما سيطر الفرنسيون على البلاد أطلقوا عليه الهند الصينية، أهم مدنه هوشي منه (سايغون ) ودلتا الميكونغ.
سايغون
سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية سابقا، وبعد اعلان استقلال فيتنام وتوحيد البلاد سنة 1975 أطلق اسم الرئيس السابق لفيتنام هوشي منه على سايغون، ولكن الاسم القديم مازال حاضرا ويتداول كثيرا، فهو الوجه الآخر للمدينة. سايغون اكبر مدن فيتنام يعيش فيها ما يقارب 7 ملايين نسمة، وتعتبر المركز التجاري والثقافي للبلاد. اهم معالم المدينة شوارعها المزدحمة بشتى انواع الدراجات تسير بينها سيارات صغيرة الحجم. وظللت أتابع السير في الطرقات فكثيرا ما تتقاطع الطرق وتختلط الاتجاهات الا أن الجميع ملتزم بقواعد المرور فتبقى الطرق سالكة رغم تكدس المركبات فيها. ويقدر عدد الدراجات في فيتنام بـ 20 مليونا، فهي وسيلة التنقل المفضلة للجميع، ويمكن مشاهدة 4 أو 5 أفراد على دراجة واحدة. وأجمل المناظر أفواج الطلبة على دراجاتهم متجهين الى مدارسهم صباحا، وسعدت برؤية الطالبات بزي ابيض على دراجاتهن كفراشات بيضاء. فمدارس الثانوية تتخذ الثوب الفيتنامي التقليدي آو داي السروال الواسع والقميص بلون ابيض كزي لطالباتها.
السياحة الحربية
تاريخ فيتنام مليء بالحروب وأهوالها التي خلفت أثارا ومواقع لا تزال باقية، استثمرها الفيتناميون لجذب السياح ،فالكثيرون يشعرون بالتميز عند زيارة هذه الأماكن، وللبعض فضول للاطلاع على مناطق داهمها الموت.
قصر الاستقلال
مبنى من 5 طوابق كان قصر رئيس فيتنام الجنوبية الموالي لأميركا، يقع وسط سايغون. في ساحة القصر شاهدنا دبابة رقم 843. وفي ابريل 1975 اقتحمت قوات فيتنام الشمالية وتقدمت دبابة رقم 843 وحطمت بوابة القصر، فأعلن الاستقلال ولم شمل وتوحيد البلاد. لقد ترك القصر كما هو فتجولنا في الغرف والمكاتب والسراديب السرية التي تؤدي الى مهبط لهليكوبتر الرئيس لأي طارئ.
متحف مخلفات الحرب
كان اسمه متحف جرائم الحرب الأميركية، وتغير الى متحف مخلفات الحرب بعد تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، هنا لا بد من الاحساس بالألم عند التجول في مختلف أقسام المتحف، ففيه عرض لأسوأ كوارث الحروب من صور لضحايا قنابل النابالم والمادة البرتقالية التي ألقيت على فيتنام ونماذج لزنزانة تعذيب السجناء وكثير من القنابل ومعدات الحروب.
التقينا بكثير من السياح الأميركيين والفرنسيين مع مرشد فيتنامي، وسألت مرشدتنا السياحية كيف يتقبلون الأميركان والفرنسيين، ألا يشعرون نحوهم بالكراهية، فاجابتني إن ما حصل جزء من تاريخ فيتنام والحرب قد أخرتنا كثيرا فما يهمنا حاليا العمل وبناء فيتنام المستقبل. إن الأجيال الشابة تمثل أكثر من نصف السكان الذين ولدوا بعد 1975م اي بعد انتهاء الحروب ما ساعد على انتصار الفيتناميين في معركة إعمار بلادهم وتنميتها.
دلتا نهر الميكونغ
ينبع نهر الميكونغ من التبت ليصب في بحر الصين، أراضي الدلتا في الإقليم الجنوبي ترتفع 3 أمتار عن سطح البحر وتجري فيها فروع النهر، وتتكون في الدلتا أخصب حقول الأرز مصدر معظم محصول الأرز في فيتنام، وأكثر من نصف سكان فيتنام البالغ 88 مليون نسمة، يستوطنون منطقة الدلتا. أقمنا في مدينة كانفو إحدى مدن الدلتا في فندق على نهر الميكونغ، ومن مرسى الفندق نأخذ قاربا لنتجول بين قرى الدلتا التي ترتبط بشبكة قنوات مائية على جوانبها مراكب كبيرة اتخذها السكان بيوتا، وعلى طول الممرات يمكن مشاهدة جميع محال الخدمات الأساسية، كمحطات الوقود والمدارس فهذه الممرات المائية هي الوسيلة الوحيدة للتنقل بين القرى. ولمشاهدة الأسواق العائمة لابد من التوجه باكرا، حيث تزدحم الممرات المائية بقوارب الاهالي محملة بمحاصيلهم وسلعهم ويرتفع فوق كل قارب ما يدل على بضاعته. تجولنا في القرى للتعرف على حياة الدلتا فكثير من البيوت تستقبل السياح لتعريفهم بطريقة حياتهم وتقديم فاكهة حدائقهم، معظم الأسر تضم أكثر من جيل يسكنون في بيت صغير بسيط وملحق به بستانا صغيرا لزراعة الفاكهة
والخضروات وحظيرة للدواجن والماشية وبركة مائية لتربية الأسماك، وهذا ما يعرف بالزراعة المتكاملة لضمان الأمن الغذائي، ولضمان نجاح هذا النظام أقامت الدولة مدارس زراعية لتعليم الفلاحين أساسيات الزراعة كالقضاء على الآفات وطرق تربية الأسماك. وفي احد البيوت تناولنا أشهى الوجبات من إعداد الجدة فقدمت أولا شوربة خضار مع ربيان ثم الأرز الأبيض وطبق سمك مقلي وفطر مع صلصة الصويا، ويعتمد الفيتناميون على الأرز في غذائهم ويعد بطرق مختلفة، كما يصنع منه الخبز والكيك، واعجبتني كرات الأرز المحشية، وبدت نكهات الأمم التي استوطنت الإقليم سابقا، فقد تذوقنا نكهات صينية وهندية في كثير من الأطباق.
القهوة الفيتنامية
لم أكن أعلم أن فيتنام من أكبر مصدري البن في العالم، وقد اعجبتني طريقة تحضير القهوة، حيث يصب في قاع الفنجان حليب مركز محلي، ثم تضاف القهوة الحارة، ولا بد للزائر لفيتنام أن يتذوق قهوة «لجندي» فلها نكهة وطعم فريدان، وهذه النوعية من البن التي تنتجها أكبر شركات البن مستوحاة من Wasel coffee or kapfe cut chong قهوة ابن عرس الشهيرة، فعندما ادخل الفرنسيون زراعة البن إلى فيتنام سنة 1857، كان حيوان ابن عرس الذي يعيش في الحقول يتغذى على نبات البن، ولاحظ المزارعون الفيتناميون أن فضلات الحيوان تحتوي على بذور البن كاملة، فقاموا بجمعها وتنظيفها وتحميصها لتصبح في ما بعد من أجود أنواع القهوة مذاقا وأغلاها ثمنا، فأنزيمات الحيوان تقلل من مرارة البن فتبرز نكهة وطعم البن، وحاليا تنتج هذه القهوة بكميات قليلة، كما أنها باهظة الثمن، فكوب واحد تصل قيمته 50 دولارا فابتكرت شركات البن في فيتنام انزيمات صناعية لها خصائص انزيمات الحيوان تعالج بها حبوب البن فأنتجت قهوة Legendy بطعم ونكهة قهوة ابن عرس.
أنفاق كوشي
في طريقنا إلى الأنفاق 35 كلم خارج سايغون أحسست بكثير من الإثارة والتشويق لان ازور مواقع حقيقية لأهم حروب القرن الماضي، في بداية الجولة شاهدنا فيلما وثائقيا قصيرا وشرحا مبسطا للتعريف بالأنفاق، ابتدأ حفر الأنفاق في 1960 أيام الحرب مع الفرنسيين لعدة كيلو مترات، ولكن عندما جاء الأميركيون وسعت الأنفاق، وأصبحت شبكة بطول 250 كلم تحت الأرض، ويقال إنها تصل إلى حدود كمبوديا، كما أنها تؤدي إلى الأنهار. كانت مراكز عسكرية لحركة المقاومة الفيتنامية، تؤمن مواقع اختفاء أثناء الهجوم على العدو، وتوفر وسائل اتصال بين الأفراد، وفيها مخازن للأغذية والأسلحة، ومستشفى، وقد اعتمد الفيتناميون في بناء الأنفاق على البنية الجسدية الضئيلة، مقارنة مع ضخامة وطول الجندي الاميركي، فارتفاع الأنفاق بين 1 و1.5 م وعند التجول يمكن مشاهدة طريقة إخفاء مداخل الأنفاق بين الأشجار، وتأمينها بالفخاخ القاتلة وتغطية منافذ طهي الطعام بالطين والأشجار، أما أحذية الجنود فكانت تصنع من إطارات السيارات ليصعب اقتفاء اثر الجندي، لقد كانت هذه الأنفاق مصدر الكثير من الاحباطات للجيش الاميركي الى أن تم الانسحاب سنة 1972م.
للذكرى فقط
لابد من التوقف عند صورة هزت العالم سنة 1972، ونال مصورها نيك يوتي عدة جوائز عليها (الفتاة في الصورة) كيم فوك ابنة التاسعة تركض عارية مذعورة بجسد أحرقته قنابل النابالم الأميركية، تعافت الفتاة بعد رحلة علاج طويلة، والآن تعيش في كندا، وأنشئت مؤسسة خيرية لعلاج ومساعدة ضحايا الحروب وعالجت الطفل العراقي علي عباس الذي أصيب في حرب الخليج الثانية.
تنوع طبيعي فريد
برزت فيتنام كوجهة سياحية منذ تسعينات القرن الماضي، فالسياحة كانت من ضمن قطاعات التنمية التي اهتمت بها الدولة وما ساعد على رواج السياحة تنوع طبيعي وفر للبلاد كل ما يبحث عنه السائح فعند زيارة شمال البلاد يظهر خليج هالونغ وجزره المميزة، كما أن لفيتنام سواحل تمتد بطول 3000 كلم تضم أجمل شواطئ جنوب شرق آسيا، أما جبال الشمال بقراها الهادئة فتنقل السائح إلى أجواء فريدة غنية بتراث سكانه من الأقليات العرقية، وسنستكمل جولتنا في مدن وسط وجنوب فيتنام.

0 التعليقات:

إرسال تعليق