الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

السياحة في الشام حلم وجمال

الشام.. تحقق حلم العاشق

دمشق ــ سعيد توفيقي
دمشق من جبل قاسيون أطل على وطني.. هي أكثر من أن تكون مجرد كلمات ينطقها مواطن سوري يعشق بلده.. إنها قصيدة حب عذري خال من أي قصد أو غرض لدمشق.. الشام.. عاصمة الأمويين الذين انطلقوا منها إلى مشارق الأرض ومغاربها يحملون راية الإسلام النقي.. الذي يحمل الخير والمحبة للإنسانية كلها.. دمشق التي منها وعلى أرضها بنيت دولة المجد التي تمكنت في بضع سنين من أن تحكم نصف العالم.. دمشق التي قال الإمبراطور البيزنطي هرقل بعد أن تمكن المسلمون بقيادة خالد بن الوليد وأبوعبيدة بن الجراح من فتحها عام 14هـ/635 م. «وداعا يا دمشق.. وداعا لا لقاء بعده..».
وكم كنت أتمنى زيارتها خاصة في السنوات الأخيرة.. فهل يعقل لمن اشتغل في الإعلام والاقتصاد لنحو 25 سنة ألا يكون قد زار دمشق.. وأخيرا جاءتني الدعوة للمشاركة في الملتقى الإعلامي الكويتي السوري.. فكانت الزيارة وكان اللقاء ورأيت دمشق وأحببتها.. على قاعدة: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء.
سوق الحميدية وجولة ميدانية
ها أناذا أمام مدخل سوق الحميدية، يقف رجل أمن يحمل بيده اليسرى عصا يضرب بها على كف يده اليمنى.. إنه إذن أعسر.. شارباه امتدا إلى منتصف الخدين مع بروز واضح على الشفتين.. أبيض اللون إلى درجة تتبين حمرة الدم في شرايين جسمه.. يراقب المارة بوجهين يتقلبان كما شريط الكاسيت.. فيبتسم إذا مرت فتاة جميلة.. وعندما تختفي من أمامه تعود إليه جديته.. ثم تقفز العفاريت إلى وجهه إذا رأى فتاة لا تحمل من الأنوثة إلا ما يثبت إنها أنثى.. هكذا رأيته وأنا أراقبه لنحو عشر دقائق.. اقتربت أكثر من مدخل سوق الحميدية.. وإذا بامرأة طاعنة في السن.. وإذا لم تكن قد تجاوزت المائة عام.. فإنها بلا شك تجاوزت التسعين.. لا أعرف كيف وقعت عيناي عليها.. والأمر الأكثر غرابة كيف وقعت عيناها علي.. صاحت علي قائلة.. هلا بإخواننا الكويتيين.. كيف عرفت أنني كويتي.. هل هي ساحرة.. لقد أمضيت أكثر من ثلاث ساعات أجوب شوارع دمشق سيرا على الأقدام.. لم ينظر إلي أحد على أنني غير سوري.. فالملامح واحدة.. وما ألبسه يلبسه معظم أهل الشام.. هل هي ساحرة.. اقتربت منها.. كانت تجلس على صندوق خشبي يرتفع عن الأرض نحو ثلاثين سنتيمترا.. فرشت أمامها قطعة قماش بطول مترين وعرض متر واحد.. وضعت عليها كل شي لا قيمة له.. على الطرف الأيمن وضعت ثلاثة أباريق من النوع المخصص للشاي. واضح ان عمرها لا يقل عن عشرين أو حتى ثلاثين عاما فقط لم يسلم أي جزء منها من عوامل التعرية تماما مثل صاحبتها.. أحدها.. إذا ما دققت وفحصته جيدا ستكتشف أن لونه الأصلي ذهبي.. والآخر أبيض كان في يوم ما يحمل صورة غزال أكلت السنون من لحمها فلم يبق سوى جزء من الرأس وقليل من الذيل.. والثالث من النوع الذي كان منتشرا في الكويت وتتكرر كثيرا في رسومات رسام تراث الكويت المبدع حسين أيوب.. وإلى جانب الأباريق هناك نحو عشرين قرصا مدمجا (سي دي) بعضها لأفلام أجنبية وأخرى لمباريات في المصارعة الحرة، وبين هذه وتلك لمحت كلمتين هما «شايل سيفه» والجانب الأيمن من وجه عادل إمام فعرفت إنه فيلم عنوانه «عنتر شايل سيفه» وفي الوسط عدد من المسابيح الطويلة ذات الـ 99 حبة بعضها لونه أسود والآخر أخضر.. وثلاثة أكياس من الحناء.. وزوجان من الأحذية.. واضح أن مقاسهما لا يصلح إلا لذلك العملاق الباكستاني الذي يقوم بجولة كل سنة في دول المنطقة وتصوره الصحف وبعض محطات التلفزيون إلى جانب مواطنه القصير فتخرج صورا ضاحكة.. ومن بين هذه المنتجات.. هناك قطعتا ملابس داخلية نسائية.. لونها أبيض على أطرافها نجمات ملونة.. كتب عليها باللغة الإنكليزية «yes» ولا أعرف إن كانت ماركة عالمية أم لا.. بالإضافة إلى كتب ومجلات قصت الأطراف العلوية من أغلفتها.

 

ميدان المرجة وسط العاصمة دمشق

ميدان المرجة في وسط دمشق


«شو ما عجبك شي من هالاشيا الحلوة»، قالتها مع ابتسامة أظهرت لي فكيها.. يا للمسكينة انها بلا أسنان.. كيف تأكل.. أجبتها «خالة وهل لديك شي قابل للشراء».. وأنا أتحدث اليها اقتربت أكثر منها ونظرت الى وجهها. واضح أن الزمن بدأ معركته معها منذ مدة طويلة وشن عليها هجوما عنيفا من جميع الأطراف، حتى قضى على كل أفراد جيشها الباسل الذين حشدتهم على الجبهة الأمامية، وعلى رأسهم القائد العام ومعاونه (العينان والرموش)، وقادة الألوية (الخدود) وآمر الحرس (الشفتان) نظرت الى عينيها ورأيت في وسطهما بحرا غامق الزرقة، تطلعت هي بدورها في وكأنها تريد أن تقول «لو كنت رجلا لقابلتني قبل أكثر من سبعين عاما».
وبهدوء وبصوت خافت «ها شو ما عجبك شي..؟!»، ثم استدارت الى اليمين ونظرت لفتاة تقف على بعد متر منها وأشارت الى الملابس الداخلية، وقالت «اشترها لها» رفعت رأسي والتفت الى الفتاة، ورأيت بالونة تخرج من فمها تكبر بشكل سريع حتى انفجرت وغطت مادة مطاطية شفافة بلون برتقالي نصف وجهها.. أخرجت لسانها وبحركة سريعة أدخلته الى داخل فمها وعادت لتمضغه، فعرفت انه لبان أو «العلك» ضحكت بقوة خلقت بداخلي احساسا بأنها ربما تكون ناقصة عقل.
دققت في وجه الفتاة فوجدت أوجه شبه بينها وبين المرأة العجوز نفس العينين، ولون الشعر المائل الى لون الذهب، ولكن وكما يقولون الحلو لا يكمل.. فعليها ملابس ربما لم تنزعها منذ سنة على أقل تقدير، قميص واضح أن أصله أزرق اللون يصل الى الركبتين بأكمام طويلة تحته سروال طويل تحول بفعل الزمن من اللون الأبيض الى لون يجمع كل الألوان.. بعبارة أكثر دقة لو حملتها ورميت بها بملابسها في برميل من الماء وأخرجتها بعد لحظة واحدة لتحول برميل الماء الى برميل نفط.. أسود ثقيل، وخرجت بفتاة بطعم العسل.. آه ما أجملها وما أوسخها في الوقت نفسه!
خيال وتاريخ
اذا دخلت سوق الحميدية ففك الرباط عن خيالك ودعه يسرح ويرجع الى 1400 عام، أي الى أيام الدولة الأموية. فهناك من يؤكد أن حجر الأساس لهذا السوق وضع في أيام الخليفة عبدالملك بن مروان وأن الجزء الأكبر منه بتصميمه الحالي تم في صدر الدولة العباسية، ولك أن تتخيل عامة الأمويين من أهل دمشق بملابسهم التي عرفوا بها، والتي تقول كتب التاريخ إنها كانت الأفضل والأرقى بين جميع الولايات التابعة للدولة، بل وبين جميع شعوب الأرض في تلك الفترة، لك أن تتخيلهم يتسوقون في المحال التجارية المنتشرة على جانبي السوق الممتد عبر مسافة لا تقل عن 500 متر، وتخيل عامل السوق المكلف بالاشراف على الأمن، وهو يجوب السوق وبيده العصا. تماما كما الشرطي الذي يقف على مدخل السوق في أيامنا هذه، تخيل كل ذلك وشم رائحة التاريخ العربي الضائع، وعبق المجد الاسلامي المفقود، ثم عد الى الواقع واستمتع بمشاهدة ما تعرضه عشرات المحلات بضائع متنوعة، منها ما هو خاص بالنساء وأخرى للرجال وثالثة للأطفال، ومنها ما هو للجميع ولا تجعل الوسواس يحرمك من كوب شراب العرقسوس من يد شاب تكاد شعيرات قليلة نبتت فوق شفتيه، يمسك الكوب ويضعه أمام فتحة ابريق ضخم يحمله على ظهره ثم يبدأ في الانحناء ويظل ينحني حتى يملأ الكأس، فيضربه بالابريق ويقدمه لك، اشرب هنيئا مريئا، ولا تقل في نفسك انه غير نظيف.

الزحمة في سوق الحميدية

صورة من سوق الحميدية في دمشق


المسجد الأموي
المسجد الأموي ينتهي بك سوق الحميدية الى ميدان بمساحة ملعب كرة القدم، أي بطول وعرض 100 متر مع مخارج هي في الوقت نفسه مداخل الى أسواق أخرى في كل الزوايا تمتد بدورها وتتفرع الى اسواق أخرى. واذا كان معك أطفال فاحذر أن تغفل عيناك عنهم للحظة، فقد تكون مكلفة، خاصة أن في هذا المكان الكثير من المغريات للافتة للانتباه. وأهم ما في هذه الساحة وواحد من المعالم الرئيسية ليس فقط في دمشق، بل في سوريا كلها.. المسجد الأموي واحد من أهم المعالم التاريخية ليس في دمشق فحسب، بل في سوريا كلها، المسجد الذي دخله خالد بن الوليد عنوة ودخله عبيدة بن الجراح صلحا فتحول نصفه مسجدا ونصفه كنيسة ثم قام الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك بتحويله بالكامل الى مسجد، وفيه أول مئذنة في الاسلام المسماة مئذنة العروس وله اليوم ثلاث مآذن وأربعة أبواب وقبة كبيرة وثلاث قباب في صحنه وأربعة محاريب ومشهد عثمان ومشهد أبي بكر، وقد صلى في المسجد أهم المشاهير في تاريخ الاسلام والفاتحين وعددكبير من الصحابة والخلفاء، وفي عام 2010 دخله البابا يوحنا بولس ليكون أول بابا لروما يدخله.
جنة صيدنايا
أن تذهب الى الشام ولا تأكل في مطعم صيدنايا الذي يقع على مدخل بلدة صيدنايا الجبلية التي ترتفع عن سطح البحر نحو 1200قدم، وعلى الأخص وجبة عشاء.. تكون قد أضعت من عمرك ليلة لا يجدر بك أن تفعلها، وهذه ليست دعاية مجانية، ففي تلك الليلة التي تعشينا فيها في المطعم وكانت ليلة الرابع من يوليو، أي في عز الصيف كانت درجة الحرارة 21 انخفضت بعد منتصف الليل الى 18، وحسنا فعل كل من وزير الاعلام السابق محمد السنعوسي والاعلامي سامي النصف أن ارتديا بدلة كاملة ولو كانت صيفية، فهم كانوا في حال أحسن مني ومن أمين سر جمعية الصحفيين فيصل القناعي، بأن اكتفينا بقميص نصف كم، وقصة تسمية هذه البلدة كما يخبرنا صاحب المطعم تعود الى رواية أن قائدا رومانيا أراد صيد غزالة وقد صوب سهمه نحوها وقبل أن يطلقه ظهرت أمامه السيدة مريم العذراء وحالت دونه والغزالة وأمرته ببناء كنيسة وهي موجودة الى يومنا هذا، وكلمة نايا باللغة الآشورية القديمة تعني الغزال، والمطعم من الضخامة بحيث تقام فيه الأفراح والمناسبات وقد تصادف في تلك الليلة أن كان هناك حفل زفاف، وعندما ألقيت نظرة على العروسين أدركت أن الحب أعمى، اذا كان الزواج عن حب، أما اذا لم يكن كذلك فان الزواج فعلا قسمة ونصيب، فحري بالعريس أن يدخل مسابقة أقبح رجل، أما الفتاة فهي بلا شك ستفوز عن جدارة بملكة جمال سوريا.
مصيف بلودان
لا يمكن بالنسبة لواحد مثلي أن تطأ قدماه أرض سوريا من دون أن يزور بلودان، وبالتحديد فندق بلودان، الذي استضاف أول مؤتمر عام للزعماء العرب في عام 1937، الذي رفضوا فيه وعد بلفور و قرار بريطانيا انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وبلودان مصيف من أجمل المصايف ليس فقط في سوريا بل على مستوى الوطن العربي كله، فهو قلبه البارد، حيث يرتفع 1550 مترا عن سطح البحر ودرجة الحرارة العظمى فيه لا تتجاوز في شهري يوليو وأغسطس 20 ــ 25 درجة مئوية، وتنتشر البساتين والمزارع المثمرة التي تغري المارة بالتوقف ومد اليد وقطف تفاحة من شجرة مالت غصونها الى خارج سور البستان، وأنت تسير في السيارة في طرقاتها ترى الطبيعة لوحة جميلة رسمت بكل ألوان الطيف، وتضيف حيوية الصبايا والشباب لمسة ولا أروع منها على هذه اللوحة.
بوابة دمشق
هو مطعم تجاوز صيته الى العالمية بعد أن دخل موسوعة غينيس للارقام القياسية كأكبر مطعم في العالم يقع على طريق المطار، مساحته الاجمالية 54 ألف متر مربع وتكلفة بنائه بلغت 27 مليون دولار، ولا يقدم المشروبات الروحية، به 6014 كرسيا ومساحة مطبخه 2500 م، ويعمل به 1800 موظف وعامل، يقدم كل أنواع الأكل الشامي والهندي والأوروبي والصيني والمكسيكي وغيره، ولا يقدم المشروبات الروحية، تجلس في أي جزء منه فتعيش في أجواء البلد الذي ينتمي الى ذلك الجزء، فاذا اخترت أن تتناول طبقا هنديا فستأكل وأنت تشعر بأنك في احدى المدن الهندية، فهذا القسم مبني على شكل فندق تاج محل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق